كابلات محوريَّة

Rula Jurdi

الأرض الشُّجاعة تذرفني
في مترو الأنفاق.
أنقلُ ما أستطيع من لسانها
في نيويورك،
ومن قبضة يدي الدَّاكنة
على الوصول.
ترِنُّ عظامُها الشقراءُ
على شاشات الإنكليزيَّة، وأسألُ:
"أيمتى لونُكِ؟"

 

جيِّدو البُنيةِ معي
في الاحتفال السَّمين.
أجسادنا جبريَّة جانبيَّة.
البيت هو البيت والمسلوب.
يصطدم شغف العاشق بالجغرافيا:
هو حديث لا يناسبنا.

 

يلتقطون رفَّةَ عيني
والحاجبَ الضَّعيف الذي
يرتفع فقط داخل الحقيبة.

 

نُحصي الأحجارَ، خاماتِ
الشَّعرِ، الكراريسَ، الحبال.
تتدفَّق العاديَّات
في البصر دون تدخُّل.
فِلاحةً صالحة كان ذلك النِّسيان.
نتفرَّجُ. نضعُ السَّاعاتِ
في الرَّجاء، وحقائبِ المدرسة
المتجعِّدة. نصنِّفُ الجماجمَ،
الصغيرةَ، المتوسِّطةَ الحجمِ،
والأظافرَ، الطريَّةَ والنَّاجزة.

 

تجمعُ العدساتُ قامةَ العوَّادِ
الذي يعود إلى مكان الافتراس:
فلسطين الأولى والثانية والثالثة.
يهذي بالمكان،
بِتينةٍ مثبَّتةٍ إلى الفصل،
حميمةٍ حتَّى مبادلة الاشتهاء.
الأرضُ الكبيرة، الملتبسةُ
في الأنفاس،
أرضُ الحلق ولحومِ الماشية،
والهواتف، ولعبةِ المرور
في أيِّ دقيقتين.
وهناك اليدُ الحنون، ذاتُ العنف
الذي لا يمكن مقايضتُهُ بشيء،
حين تقدِّم لكِ السَّحلبَ
الذي قدَّمْتِه لها، باسم آخر، طفيف.
وهناك جيبات الشرطة المصفَّحة
باللَّبن والعسل.



ثمَّ تصاميمُ الإحصاءاتِ،
والأرقامُ، فيضانُها،
نزيفُها الدائم على الشَّاشات.
لدينا ألفةٌ عارمة بجسد بعيد،
يلعق زجاج الحاسوب.
لدينا العلمُ بالأشياء
التي كانت تنبض،
وكيف طفقنا نختصر الغيب.
نَعرِضُ فوائد الافتتان:
برلين قد تخدم الجمال،
ووجودَ نجمة.
المحراث يجتاز ساعةَ العالم،
كلِّ العالمِ!
لدينا ستيفن هوكنغ والفوضى،
وكلُّ ما صارَ الله.
لكن، ما زالت الأرضُ الأَكولةُ
المؤيَّدَة أعلى من شفاه العوَّاد.
لدينا صيدُ أفلاكٍ مُنظَّم،
وقريبًا جدًا تلاحق
بصماتُ الأصابعِ
الأجسادَ السماويَّة.
نقفز إلى المُتضائِل،
ونُعنى بطول ووزن كلِّ نملة.
لكنتنا وحدَها، غيرُ المرموقةِ،
ساعةَ الدَّفن، طعامٌ للشّاشات.

 

خَدِرَتْ تحدِّق. هكذا هي العين.
تأتي عينٌ مثلها، مجرورةٌ
إلى تعذيب اليوم، وجبةٍ أخرى.
هي أعزُّ على هذه الشَّاشة،
من أيِّ عينٍ نعرفها.
ثمَّ لا تنسوا الأبراجَ ومواقعَ
الاتِّصالِ، والعروقِ،
والارتيابَ المفعم بالعربيَّة.
ثم شبكةُ العينِ داخل الحائطِ،
المريضةُ حبًا وحزنًا،
تنقِّح الجريدةَ الإلكترونيَّة.
أين يلقي رأسَه أحمد؟


 
لدينا الوحدةُ، كلُّ أصنافِ
الوحدةِ، لأنَّها فلسطين،
وكلُّ أنواعِ الابتسام:
الابتسامُ المشقوقُ الرأس،
الابتسامُ المتتالي،
إجهاضات الابتسام.
ولدينا هندسةُ النَّجاة
والأسماكُ الطائرة بلا بحرٍ
وسياج الهواء المنشور
في الصَّدر.
اعترافاتٌ تفارق الفمَ بِصفاء.
تلغو الأدوات، رغم هِمَّتها العالية
في تكسير الزَّيتِ والزَّعترِ واللِّسان.


 
ثم الاختناقُ بسعةِ المحكمة،
والورقُ وهو يلد باستمرار،
يفتح الأجسام المتَّهمة،
فتهدأ كالكراسي والطاولات.
(وليس كالتَّواقيع. فهذه تتنَّفس.)
والقبائلُ، تستعيدُ ضياعها،
ويهودُ الفَلاشا؛ يرمقون الشِّعر
اللولبيَّ ذاتَه بوردةٍ غالية.
هي خطَّةُ تطريزٍ على القلب
ويخرجُ الشَّعرُ الأشعثُ هالكًا،
وكاسرًا، من الأوتوستراد.


 
المدنُ المدوَّنة أبعدُ، والقرى
أقصرُ رائحةً. يبقى تقشيرُ اللُّغةِ
في غرفِ العصافير، وتلحيمُ التنفُّسِ
إلى المقابضِ، خلال التَّضرُّج
عامّةً. يكونُ هكذا القلبُ،
الحجارةَ، السكِّينَ، القنبلةَ،
والفرحَ، أخيرًا!



 هي ملحٌ فقط، هذه الأرض،
تُتخِمُ الصُّندوقَ الذِّي يسع
الأسماكَ والأيدي والأسنان.
آه، ولدينا مكعَّبُ اللُّغةِ،
فعلُ الأمرِ الخفيف، 
أعجوبةٌ في التَّجريد حتَّى العظام،
حتَّى الرِّقة:
قِفي،
أُنزُفْ،
تَعذَّبي،
مُتْ،
تمدَّدي،
إعترِفْ،
إختَنِق.