بعيداً عن دمشق

عمر يوسف سليمان


شعبُ البَين 

I

عندما أسقطَتِ الريحُ فستانَكِ عن حبلِ الغسيلْ 
ارتجفَ البناءُ في الجهةِ المقابلة 
فقدْ رأى نافذةَ بيتنا عارية 

عندما أسقطَتِ القذيفةُ البناءَ لم يرتجفْ أحدْ 

نحتاجُ أن نقهقهَ 
حتَّى نواريَ حشْرجاتنا تحتَ الأنقاض 

نحتاجُ أن نسكنَ بينَ المواقعِ الإلكترونية 
كيْ لا نرى حولنا أطنانَ الفراغْ 

كلما صحونا نتساءلُ: متى وكيف نمنا؟ 


II 

نمشي على خيوطٍ كهربائيةٍ في الصباحِ الرماديْ 
أعضاؤُنَا موزَّعَةٌ بينَ لسانَينْ 
بينَ بلادِ المنافيْ وبلادنا المنفيَّة 
بينَ أسنانِ الظلامِ وفاكهةِ الضوءْ 
بينَ أعراسِ جهنَّمَ والقمحِ الأسوَدْ 

نحن أهلُ الـ (بَينْ( 
نتناولُ الأحاديثَ 
كما يتناولُ طفلٌ مترفٌ عضَّةً من كلِّ تفاحة 

لدينا قصائدُ غيرُ مكتملة 
موتٌ غيرُ مكتمِلٍ 
فوضى مُرتَّبَةٌ 
وورودنا لا تتفتَّحُ ولا تَذبُلْ 
نحنُ مواليدُ إلكترونيَّة 

كلما نظرنا إلى السماءِ 
لا نرى إلا بنصفِ عيونِنَا 

كغرابٍ يافعٍ يتكوَّرُ فوقَ العشب 
كريشِ حمامةٍ أكَلها الجوعْ 
قربهُ نافورةٌ تحوطُها رؤوسُ سِبَاعٍ منحوتةٌ من خيال 
لا نرى إلا نصفَ حياة 


III 

ندىً على جراحِ رُمانةٍ نزعَ فتيلَهَا طفلٌ 
ندىً من دمْعِ الجحيمِ 
يتسكَّعُ في هذه الجنَّةِ العائمةِ على جُثَثِ الأبجدية 

الشابُّ في حديقةِ المنفى 
وبلادُهُ الزائلةُ بهِ تطفو كصوتٍ قادمٍ من بئر 

قلبُ المنفيِّ ثُقبٌ أسودُ يقوِّسُ أضواءَ العالمْ 
ثقبٌ على وشكِ الانفجارِ العظيمْ 





لا تُخبِرْ أحَدَاً

I

هل تذكرُ لعبةَ القتالِ حينَ كنا صغاراً؟ 
كل ما حدثَ أننا دخلنا إلى الشاشةِ 
وأخذَ اللهُ مكاننا 


II

بينَ الجبهاتِ الفسيحة 
تتوقَّفُ عدسةُ القنَّاصِ 
ثمَّةَ ضحيَّةٌ تتهاوى في قلبيْ 


III

الأبُ الذيْ يبسُطُ كفَّه 
يُغَطِّيْ الشمسَ 
كي لا يحرقَهُ وجهُ طفلةٍ ميتة 


IV

عندما نجتازُ الحدودَ 
هاربينَ من الرصاصِ الحيِّ 
لا تُخْبِرْ أحداً بأنَّنا أحياءْ 





في الأرضِ الغريبة

ودَّعْنَا الحربَ عندَ أبوابِ المدينة 
وأودَعْنَا حقائبَ الخرابِ لدى حَرَسِ اللاشيء 
ها ثيابنا مضرَّجةٌ بالفجرِ 
ودمعِ الفرحْ 
لقدِ اجتزنَا جسورَ الوحشة 
وما زالتْ أصدافُ الكلماتِ في جيوبِنَا 
الفناراتُ تلوِّحُ لنا من شواطئِ الجراحْ 
وفي شرايينِنَا أعيادُ الجبالْ 

يا أصدقاءَ الوحْلِ والضوءْ 
لنا وحدَنا هذه المدينة 
لنا شوارع لا يملأها سوى أثرِ أنفاسِنَا على الثلجْ 
أزَحْنَا جدرانَ الزمنِ وَعَبَرْنَا 
بادلنا البنادقَ بقمحِ الشرقِ 
وذهبَ الصحراءِ بنَدى التيه 

كما لو أنَّنا نعودُ إلى بيتِ الحبِّ الأوَّلِ 
نسكبُ خمرَ البداياتِ في أسمائنا 
ونفتَحُ صدورَنَا للبحر 
هنا في الأرضِ الغريبة 
لا شيء سوى عراءِ وجودنا 
والطواحينْ